فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)}
وَصَفَهم بلؤم الطبع فقال: كيف يكونون محافظين على عهودهم مع ما أضمروه لكم من سوء الرضا؟ فلو ظَفِرُوا بكم واستولوا عليكم لم يُراعوا لكم حُرْمةً، ولم يحفظوا لكم قرابةً أو ذِمِّةً.
وفي هذا إشارة إلى أنَّ الكريمَ إذا ظَفِرَ غَفَرَ، وإذا قدر ما غَدَرَ، فيما أَسرَّ وَجَهَرَ.
قوله: {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} أي لا عَجَبَ مِنْ طَبْعِهِمْ؛ فإنهم في حقِّنا كذلك يفعلون: يُظْهِرُون لباسَ الإِيمان ويُضْمِرُون الكفر. وإنهم لذلك يعيشون معكم في زِيِّ الوفاق، ويستبطنون عين الشِّقاق وسوءَ النِّفاق. اهـ.

.تفسير الآية رقم (9):

قوله تعالى: {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما دام ما ترى من كشف سرائرهم، شرع سبحانه يقيم لهم الدليل على فسقهم وخيانتهم بتذكيرهم ما بدا من بعضهم من النقض بعد أن أثبت فيما مضى أنهم شرع واحد بعضهم أولياء بعض، وفيما يأتي أنهم بعضهم من بعض، فقال معبرًا بما يفيد أنهم تمكنوا من ضد الإيمان تمكنًا صار به كأنه في حوزتهم: {اشتروا} أي لجوا في أهويتهم بعد قيام الدليل الذي لا يشكون فيه فأخذوا {بآيات الله} أي الذي لا شيء مثله في جلال ولا جمال على ما لها من العظم في أنفسها وبإضافتها إليه {ثمنًا قليلًا} من أعراض الدنيا فرضوا بها مع مصاحبة الكفر، وذلك أن أبا سفيان أطعمهم أكلة فنقضوا بها عهودهم {فصدوا} أي فسبب لهم ذلك وأداهم إلى أن صدوا {عن سبيله} أي من يريد السير عليه ومنعوا من الدخول في الدين أنفسهم ومن قدروا على منعه.
ولما دل على ما أخبر به من فساد قلوبهم، استأنف بيان ما استحقوه من عظيم الذم بقوله معجبًا منهم: {إنهم ساء ما} وبين عراقتهم في القبائح وأنها في جبلتهم بذكر الكون فقال: {كانوا يعملون} أي يجددون عمله في كل وقت، وكأنه سبحانه يشير بهذا إلى ما فعلت عضل والقارة بعاصم بن ثابت وخبيب بن عدي، ذكر ابن إسحاق في السيرة عن عاصم بن عمر- رضى الله عنهم- والبخاري في الصحيح عن أبي هريرة- رضى الله عنهم-، كل يزيد على صاحبه وقد جمعت بين حديثيهما أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلامًا فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرؤوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام فبعث معهم نفرًا ستة- وقال البخاري: عشرة- وأمر عليهم عاصم بن ثابت فخرج معهم، حتى إذا كانوا بالرجيع ماء لهذيل غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلًا، فلما أتوهم أخذوا أسيافهم ليقاتلوهم، فقالوا: إنا والله لا نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئًا من أهل مكة، ولكن عهد الله وميثاقه أن لا نقتل منكم أحدًا، فأما عاصم فلم يقبل وقاتل حتى قتل هو ناس من أصحابه، ونزل منهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال رجل منهم: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة- يريد القتلى، فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه؛ فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة فقتلوهما.
وقصة العرنيين الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأظهروا الإسلام ثم خرجوا إلى لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوا الراعي واستاقوا اللقاح بعد ما رأوا من الآيات، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم فقتلهم؛ وفي تاريخ ابن الفرات عن القتبي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن عوسجة البجلي إلى بني حارثة بن عمرو بن قرط بكتاب فرقعوا دلوهم بالكتاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لهم! أذهب الله عقولهم، فهم أهل رعدة وكلام مختلط؛ ولما خرج أهل مكة بعد أن عاملهم صلى الله عليه وسلم بغاية الإحسان أعتقهم وعفا عنهم بعد تلك الحروب والأذى في المبالغة في النكايات التي لا يعفو عن مثلها إلا الأنبياء، خرجوا معه إلى حنين غير مريدين لنصره ولا محبين لعلو أمره، بل هم الذين انهزموا بالناس- كما نقله البغوي عن قتادة؛ وقال أبو حيان ويقال: إن الطلقاء من أهل مكة فروا وقصدوا إلقاء الهزيمة في المسلمين وبلغ فلهم مكة. انتهى.
وقال الواقدي: وخرج رجال مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتغادر منهم أحد على غير دين ركبانًا ومشاة، ينظرون لمن تكون الدائرة فيصيبون من الغنائم، ولا يكرهون أن تكون الصدمة بمحمد وأصحابه، وقال هو وغيره: فلما كانت الهزيمة حيث كانت والدائرة على المسلمين تكلم قوم بما في أنفسهم من الكفر والضغن والغش، وذكروا أنه عزم ناس منهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الله منعه منهم.
هذا بعض ما غدر فيه كفار العرب، وأما اليهود فكلهم نقض: بنو قينقاع ثم النضير ثم قريظة ثم أهل خيبر، حتى كان ذلك سبب إخراجهم منها وإجلائهم إلى بلاد الشام، ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى أنهم قد تبين لهم مثل الصبح جميعًا ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يرجعوا لمجرد أهوائهم كانوا قد اشتروا بذلك ثمنًا قليلًا، وهو التمتع بما هم فيه مدة حياتهم على ما صاروا إليه من سفول الكلمة وإدبار الأمر، فمن قاده هواه إلى ترك السعادة العظمى لهذا العرض الزائل اليسير كان غير مأمون على شيء لأنه رهينة داعي الهوى وأمر الشيطان، لأنه أول ما بدأ بنفسه فغدر بها وغشها غير ناظر في مصلحة ولا مفكر في عاقبة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله: {اشتروا بآيات الله ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ}
ففيه قولان:
الأول: المراد منه المشركون.
قال مجاهد: أطعم أبو سفيان بن حرب حلفاءه، وترك حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم فنقضوا العهد الذي كان بينهم بسبب تلك الأكلة.
الثاني: لا يبعد أن تكون طائفة من اليهود أعانوا المشركين على نقض تلك العهود، فكان المراد من هذه الآية ذم أولئك اليهود، وهذا اللفظ في القرآن كالأمر المختص باليهود ويقوى هذا الوجه بما أن الله تعالى أعاد قوله: {لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلًا وَلاَ ذِمَّةً} [التوبة: 10] ولو كان المراد منه المشركين لكان هذا تكرارًا محضًا، ولو كان المراد منه اليهود لم يكن هذا تكرارًا، فكان ذلك أولى. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {اشتروا بئايات الله ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ}
قال مقاتل: باعوا الإيمان بعرض من الدنيا قليل؛ وذلك أن أبا سفيان كان يعطي الناقة والطعام والشيء، ليصد بذلك الناس عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الكلبي: {اشتروا بئايات الله ثَمَنًا}؛ يقول: كتموا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم بشيء من المآكلة، يأخذونه من السفلة.
{إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، يعني: بئسما كانوا يعملون بصدهم الناس عن دين الله. اهـ.

.قال الثعلبي:

{اشتروا بِآيَاتِ الله ثَمَنًا قَلِيلًا}
وذلك أنّهم نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا أطعمهم أبو سفيان بن حرب، وقال مجاهد: أطعم أبو سفيان حلفًا وترك حلف محمد صلى الله عليه وسلم {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ} فمنعوا الناس عن دينه وعن الدخول فيه، قال عطاء كان أبو سفيان يعطي الناقة والطعام ليصدّ الناس بذلك عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس: وذلك أن أهل الطائف أمدِّوهم بالأموال ليقوّوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعداوته.
{إِنَّهُمْ سَاءَ} بئس {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {اشْتَرَواْ بَئَايَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}
في آيات الله تعالى هاهنا وجهان:
أحدهما: حججه ودلائله.
والثاني: آيات الله التوراة التي فيها صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثمن القليل: ما جعلوه من ذلك بدلًا. وفي صفته بالقليل وجهان:
أحدهما: لأنه حرام، والحرام قليل.
والثاني: لأنها من عروض الدنيا التي بقاؤها قليل.
وفيمن أريد بهذه الآية قولان:
أحدهما: أنهم الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه، وهذا قول مجاهد ومن زعم أن الآيات حجج الله تعالى.
والثاني: أنهم قوم من اليهود دخلوا في العهد ثم رجعوا عنه وهذا قول من زعم أنها آيات التوراة.
{فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: عن دين الله تعالى في المنع منه.
والثاني: عن طاعة الله في الوفاء بالعهد.
والثالث: عن قصد بيت الله حين أحصر بالحديبيّة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {اشتروا بآيات الله} الآية.
اللازم من ألفاظ هذه الآية أن هذه الطائفة الكافرة الموصوفة بما تقدم لما تركت آيات الله ودينه وآثرت الكفر وحالها في بلادها كل ذلك كالشراء والبيع، لما كان ترك قد مكنوا منه وأخذ لما يمكن نبذه، وهذه نزعة مالك رحمه الله في منع اختيار المشتري فيما تختلف آحاد جنسه ولا يجوز التفاضل فيه، وقد تقدم ذكر ذلك في سورة البقرة وقوله: {فصدوا عن سبيله} يريد صدوا أنفسهم وغيرهم، ثم حكم عليهم بأن عملهم سيء، و{ساء} في هذه الآية إذ لم يذكر مفعولها يحتمل أن تكون مضمنة كبئس، فأما إذا قلت ساءني فعل زيد فليس تضمين بوجه، وإن قدرت في هذه الآية مفعولًا زال التضمين، وروي أن أبا سفيان بن حرب جمع بعض العرب على طعام وندبهم إلى وجه من وجوه النقض فأجابوا إلى ذلك فنزلت الآية، وقال بعض الناس: هذه في اليهود.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول وإن كانت ألفاظ هذه الآية تقتضيه فما قبلها وما بعدها يرده ويتبرأ منه، ويختل أسلوب القول به. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلًا}
في المشار إليهم قولان:
أحدهما: أنهم الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه، قاله مجاهد.
والثاني: أنهم قوم من اليهود، قاله أبو صالح.
فعلى الأول، آيات الله: حججه.
وعلى الثاني: هي آيات التوراة.
والثمن القليل: ما حصَّلوه بدلًا من الآيات.
وفي وصفه بالقليل وجهان.
أحدهما: لأنه حرام، والحرام قليل.
والثاني: لأنه من عَرَض الدنيا الذي بقاؤه قليل.
وفي قوله: {فصدوا عن سبيله} ثلاثة أقوال:
أحدها: عن بيته، وذلك حين منعوا النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية دخول مكة.
والثاني: عن دينه يمنع الناس منه.
والثالث: عن طاعته في الوفاء بالعهد. اهـ.